الحماية الاجتماعيّة والمساعدات الإنسانيّة النقديّة
لم يسبق أن كانت قضيّة الحماية الاجتماعيّة لمساعدة الناس على مواجهة الصدمات أوضح ممّا هي عليه خلال أزمة فيروس كورونا المستجدّ الحاليّة. وتجري هذه القضايا حاليًّا في الوقت الحقيقي بالتزامن مع تدافع الحكومات والجهات المانحة والمنظّمات الإغاثيّة لإيجاد سبل الحصول على مزيد من المساعدات لمزيد من الناس من أجل مواجهة العواقب الاقتصاديّة للمرض وللإغلاق. ومع بدء انتشار الفيروس في مناطق الحرب، وفي مخيّمات اللاجئين، وفي أفقر بلدان العالم، ستبرز حدود المساعدة الاجتماعيّة الحاليّة والدور الحاسم للمنظمات الإنسانيّة الدوليّة في أماكن مثل جمهوريّة أفريقيا الوسطى وأفغانستان.
وقد تزايد الزخم حول فكرة جعل الحماية الاجتماعيّة أكثر استجابة للصدمات وأكثر ارتباطًا بجهود الاستجابة الإنسانيّة، وقد بدأت مجموعة غنيّة من الخبرات تبرز من بلدان مثل تركيا واليمن والفلبين ومنطقة الساحل ومنطقة البحر الكاريبي. كما تطوّرت الأسس النظريّة لتبرز أطرًا تبيّن كيف يمكن للحماية الاجتماعية أن تستجيب بشكل أفضل للصدمات من خلال التوسّع الرأسي الذي يوفر المزيد من المساعدة للناس على أساس الخطط القائمة؛ أمّا التوسع الأفقي فيساعد المزيد من الناس من خلال توسيع التغطية؛ وبطرق أخرى مثل مواءمة الدعم مع الأنظمة الموجودة أصلًا.
أين تكمن الصعوبة في الربط؟
يتمتّع النقاش المتعلّق بربط مبادرات مساعدات النقد والقسائم وبرامج الحماية الاجتماعيّة بتاريخ حافل ويعتمد مصطلحات متغيّرة – من “الإغاثة إلى التنمية” و”الاستمرارية” و”المرونة” ومؤخراً “العلاقة بين العمل الإنساني والتنمية والسلام”. وتستند جميعها إلى دعوات لتعزيز التعاون بين الجهات الفاعلة الإنسانيّة والإنمائية والدول المتضرّرة من الكوارث والمجتمع المدني. ويتمثل أحدّ التحدّيات التي تواجه هذا النقاش في الافتراض الأساسي بأنّ وجود المزيد من الروابط هو أمر جيّد وسهل التحقيق في حال كان القرار للجهات الفاعلة الإغاثيّة والتنمويّة وحدها. ولكن، إذا كان الأمر بهذا اليسر والفائدة، فلماذا يتعذّر تحقيقه في الممارسة العمليّة؟ لطالما اتجهت المؤلفّات في هذا المجال إلى التغاضي عن الاختلافات الأساسيّة من حيث المبدأ والنهج وطرق العمل التي تجعل النجاح بعيد المنال.
ما وراء الجوانب التقنيّة
وينطبق هذا التحدّي كذلك على الأمور المطلوبة من حيث التدريب وتنمية القدرات. وتستند هذه المدوّنة إلى مراجعة شراكة التعلّم النقدي للتدريب والثغرات القائمة المرتبطة بالجهود الرامية إلى ربط الحماية الاجتماعيّة والمساعدات الإنسانيّة النقديّة. وقد أكّد وباء كورونا المستجدّ على الحاجة إلى ذلك وعلى عظم حجم المهمّة.
عادة ما يجري تناول التدريب من وجهة نظر تقنيّة – مثل تدريب الجهات الفاعلة في مجال الحماية الاجتماعيّة على تقليص عوامل الخطر وتدريب الجهات الفاعلة الإنسانيّة على الارتباط بالمساعدات الاجتماعيّة الطويلة الأجل. وتكمن النظريّة الضمنيّة للتغيير في أنّه إذا توفّر للناس المعرفة والمهارات التقنيّة الصحيحة، تزداد قدرتهم على جعل الحماية الاجتماعيّة أكثر استجابة للصدمة. وقد يكون ذلك مفيدًا، ولكنه غير كاف ما لم يواجه بشكل أكثر وضوحًا التوتر في النهج وينخرط في سياسات الأماكن الهشة والمتضرّرة من النزاعات. وتحتاج المنظّمات الإغاثيّة إلى المهارات اللازمة لمعالجة المشكلات الرئيسة مثل:
- هل يجب أن تكون المساعدة الاجتماعيّة في ظلّ النزاعات محايدة ومستقلة؟ وهل يمكن للجهات الفاعلة في المجال الإنساني أن تحافظ على التزاماتها بالمبادئ الإنسانيّة أثناء العمل في مجال المساعدات الاجتماعيّة التي تديرها الحكومة، وهل ينبغي للجهات الفاعلة في التنمية، مثل البنك الدولي، أن تلتزم بالمبادئ الإنسانيّة؟
- هل يمكن الربط بين الحماية الاجتماعيّة والمساعدات الإنسانيّة النقديّة في الأماكن التي لا تسيطر عليها الحكومات؟ وهل يعني ذلك أن تعمل الجهات الفاعلة في مجال المساعدات الدوليّة مع الجماعات المسلحّة غير التابعة للدولة، وهل هذا ممكن بالنظر إلى التشريعات الحاليّة لمكافحة الإرهاب؟
- كيف يمكن في أماكن مثل الأردن ولبنان وأوغندا للمنظّمات الإغاثيّة أن تقنع الحكومة وتدعمها على أفضل وجه لكي تقبل بإدراج اللاجئين في نظمها الوطنيّة؟
ليست معالجة هذه القضايا مسألة إصلاحات تقنيّة. ولا يمكن تدريب الناس على تقديم الإجابة الصحيحة، ولكن يجب أن تسليحهم بالأطر الأخلاقيّة الصحيحة والمهارات التحليليّة لاتخاذ خيارات عن علم واطلاع حول كيفيّة المشاركة. ويكتسي هذا الأمر أهمّية خاصّة في الاستجابة لوباء فيروس كورونا المستجدّ. ومع تفشّي الفيروس في أفغانستان، وفي مخيمات اللاجئين، وفي المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا، كيف سيتمّ الوصول إلى الناس في تلك الأماكن؟
كما تطرح بعض المسائل التقنيّة الرئيسة تحدّيات منها ما يتعلّق بالمزيج الصحيح من الحماية الاجتماعيّة المستجيبة للصدمات ومؤسّسات منفصلة لإدارة حالات الطوارئ. فهل من الأفضل لبعض الدول أن تبقي المساعدة الاجتماعيّة بسيطة وتركز فقط على المدى الطويل وأن يكون لديها أنظمة منفصلة لإدارة حالات الطوارئ؟
تُبرِز أزمة وباء فيروس كورونا المستجدّ بوضوح المسؤوليّة الأساسيّة للحكومات عن الاستجابة على الصعيد الوطني. ويمكن أن تؤدّي شراكة التعلّم النقدي وغيرها دورًا هامًّا في تقديم ما يلزم من تدريب وتوجيه ونقاش وتنسيق في الوقت الذي تحاول فيه المنظّمات الإنمائيّة والإنسانيّة الارتقاء إلى مستوى هذه المهمّة.
Photo: Enayatullah Azad/NRC